نداء الى شباب محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الشيخ العزيز:
عبدالله بن سعيد القنوبي حفظه الله ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اعلى قدر الاسلام ، وبين فيه دلائل الاحكام، وهدانا سبل الخير والسلام، ونصلي ونسلم على خير خلق الله محمد بن عبدالله ،الداعي الى كل خير ، والناهي عن كل شر، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الابرار الكرام ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تواتر الليل والنهار ..
أما بعد :
فيا أيها الاخوة الكرام ، أخوة الإسلام :
نحييكم بتحية الإسلام المباركة ، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
كم تعيش أمتنا من أحداث جسام ، وكم تمر بها من أحداث عظام، وكم تشاهد من ويلات وآهات ، وكم يستنجد بها المستنجدون ، ويستصرخ بها الصارخون ، ذلك لأن هذا الدين هو قوام الحياة ، وعز العالم، وصلاح البشرية ، فموئل الناس إلى هذا الدين، ومرجعهم إلى أهل الدين، مرجعهم إلى المسلمين، وإلى ديار المسلمين، إلى ما ينتظره الناس من المسلمين ليقدموه إلى هذا العالم ، إلى الاشراقات النورانية .
كم تعطش الناس إلى عدل الإسلام ، وكم ذابات المهج لترى وتلمس رحمة الإسلام العالية، كم اشتاق الناس إلى الحرية ، الحرية بمفهومها الواسع ، التي جاء بها شرع الله الحكيم ودينه القويم الإسلام ، الذي يجعل الإنسان حرا لا يعبد إلا الله ، ولا يخاف إلا الله، ولا يراقب إلا الله ، ولا يخاف في الحق لومة لائم.
إن دين الإسلام دين عزة وكرامة ، ودين نبل وشهامة ، يربي أتباعه على كل فضيلة ، وينهاهم عن كل رذيلة ، ويفتح لهم سبل الخير ، والسلف الصالح - أخوة الإيمان - قد تشرب من هذه المعاني الحميدة ، وارتوى من هذا النهر الدفاق ، مياهً عذبة اخصبت القلوب بعد جدبها ، واحيت النفوس بعد مماتها ، وايقظت البصائر بعد غفلتها .
فكم من بدوي لا يعرف غلا مرتع إبله وغنمه يصبح أعظم القواد ، وخير الرواد ، وارفع العلماء، وأحسن الأصفياء ، ومن أقرب الأقربين إلى الله ، ماذا صنع به الإسلام؟ إنه صنعه صناعة إلهية من جديد .
وذلك الذي يعبد صنمه ، ويأله وثنه ، ويدعو اللات والعزى ، ومناة الثلاثة الأخرى ، أصبح يوحد الله ، ويدعو إلى الله ، ويتضرع إلى خالقه ومولاه .
وأصبح الجبان الرعديد الذي يختبأ في بيته ، أو مع زوجه ووراء صنمه ، أصبح يقتحم معامع الجهاد ، ويجندل الأبطال والرجال ، ويقض مضاجعهم ، ويشل كيانهم ، ويصنع الأعاجيب، لماذا؟ لأن الإسلام رباهم على منهج جديد ، على العزة ، على العلو والاستعلاء بالله ،(( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )).
إخوة الإسلام :
والأمة الإسلامية تمر هذه الأيام بما تشاهدون وتسمعون، ويترامى إليكم من أخبارجسام ، حلت بواقع هذه الأمة ، فإن الأحداث تبين لنا حقيقة واحدة ، ينبغي أن لا تغيب عن ذهن المسلمين ، وعن ذهن الدعاة والصالحين ، وهي أن الكفر مهما تعددت صورُه ، وتعاظمت دُولـُـه ، فإن الكفر ملة واحدة ، يجمعهم حربهم على الإسلام، وعداوتهم لأمة الإسلام ، وضغائنهم على أمة الإسلام ، وأحقادهم على المسلمين ، والطمع في خيراتهم ، وابتزاز ثرواتهم ، واجتياح أراضيهم ، وتضليل أفكارهم ، وتمييع شبابهم ، وإبعادهم عن معاني الإسلام الحنيف ، وسحب العزة التي يعتزون بها ، حتى ينشأوا جيلا مهدر الطاقات ، مضيع الامكانيات ، يخبط يمينا وشمالا ، نائما خاملا ، لا يصنع شيئا ، وإنما يذل نفسه بنفسه ، ويقضي على عزته قضاء مبرما من تلقاء نفسه .
إن الأمة أشد ما تعاني هذه الأيام ، من المنتمين إليها ، من أدعيائها، من حملة لوائها ، من أتباعها ، فإن عدوها لم ينل منها ما يطمح ، ولم يصل إلى ما يريد إلا من خلال أفعالها ، وترديها وانحطاطها ، وانغماسها في حب الدنيا والشهوات إلى الأذقان .
أما أمة الإسلام الحقة فضربت لنا اروع الأمثال ، لما كان محمد صلى الله عليه وسلم قائدها ، ولما كان القرآن رائدها ، شرف الله قدرها بتشريفها نفسها ، بحمل أمانة هذا الكتاب ، رفع الله لواءها لما رفعت لواء الحق ، ونكس الله عدوها لما قرعته بمطارق الحق ، وهكذا فإن الله يعز من اعز دينه، ويخذل من خذل دينه ، وينصر من نصر الاسلام، ويقوي شوكتهم على اعدائهم.
السلف الصالح ما كان يملك ما نملك من إمكانيات، ولم يصل إلى ما وصل إليه من ماديات ومخترعات ، ما كان يملك وسائل الاتصال الحديثة، التي قربت المشرق والمغرب ، وجعلت المعارف والثقافات تنثال بين أيدينا ، ولكن رغم ذلك صنعوا الأعاجيب ، وضربوا أروع المثل للأمة المستعلية التي لا تعرف الكلل ولا الملل ، ولا الدعة والكسل ولا الخمول والنوم ، وإنما هم في جد وعمل ، وصلاح وإصلاح ، واهتداء وتقوى، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، واستقامة على دين الله .
ولم يكتفوا أن يبلغوا دين الله لأقاربهم ، ومن حولهم من المجتمعات القريبة ، حتى أوصلوه إلى أعالي الصين ، والسند والهند وبلاد الأسبان ، حتى خاضوا المحيط الاطلسي الذي كان يمثل في زمانهم نهاية العالم ، بل أن القائد المسلم الذي خاض بقوائم فرسه عباب المحيط الاطلسي قبل اكتشاف الامريكتين الآن ، كان يقول : ( والله لو أعلم أرضا وراءك لخضتك مجاهدا في سبيل الله ) ، هكذا كان مطمحهم ، وهكذا كانت عزتهم ، وهكذا كانت غايتهم ، تلك هي الحضارة العملاقة التي افتتحت نصف الكرة الارضية في أقل من نصف قرن ، لذلك كتبت أمجادها بأحرف من نور على جبين الدهر ، عندما جعلت القرآن واقعا في حياتها، ونبراسا يضيء دربها .
وقد درس أعداء الإسلام هذه القوة ، ووجدوا انها لا تعتمد على قوة مادية ، أو قوة بشرية ، فهم ينظرون إلى المسلمين بأنهم امة بدوية ، خرجت من الجزيرة العربية ، وانهم ما جاءوا إلا لجمع الغنائم وابتزاز الأموال لأنهم جياع ، ولذلك كان أعداء الإسلام يسامون المسلمين أن يعطوهم من الجوائز والهدايا والهبات والمكافآت الشيء الكثير ، يظنون بأن ذلك مبتغاهم ، فسيرجعون بعدها أدراجهم .
وعندما يخاطبهم ربعي بن عامر رضي الله عنه بقوله " قد جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والاخرة " يجدون الحق واضحا ، بأن هؤلاء ما أخرجهم إلا حب دينهم ، والا قوة ربهم التي بها تمكنوا .
والشاهد على ذلك بأن أعداء الحـنيفية كانوا يسألون عيونهم وجواسيسهم عن طبائع المسلمين وعن صفاتهم ، ماذا يفعلون؟ قالوا : " هم رهبان بالليل ، فرسان بالنهار ، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، يأتون على عدوهم حتى يقضوا عليه " ويصفهم آخر بأن لهم في تلاوة قرآنهم زجلا ودويا كدوي النحل ، وقلبهم قلب رجل واحد ، ويدهم يد واحدة ، يدفعون الظلم عن الصغير والكبير ، يتراحمون فيما بينهم ويتعاطفون ، هذه هي الصفات التي أهلتهم للخلافة في الأرض .
ولذلك بعث ملك الصين إلى قائد جيشه ، عندما طلب منه المساعدة في حرب المسلمين، فأجابه بقوله " قد وصلني كتابك، وفهمت ما عند رسولك، ولا يمنعي من أن أرسل جيشا أوله بمرو وآخره بخرسان، إلا أن هؤلاء القوم الذين خرجوا عليكم - يعني المسلمين - لو اعترضتهم الجبال لاقتلعوها ، ولو أرادوني لأزالوني من مكاني ، فإن أردت أن تسلم فاستسلم لهم " ، هكذا يقول امبراطور الصين في أوج عظمته وقوته .
إذن لماذا يخافون هؤلاء الأعراب الجفاة - كما يزعمون- وانهم جاءوا من قلب الجزيرة العربية، ولم يعرفوا حضارة الرافدين، ولا حضارة النيل، ولا حضارة الروم وفارس، لماذا يخافونهم اذن ؟ انه الاسلام العظيم، انه القرآن الكريم، هو الذي صنع منهم رجالا وابطالا ذابين عن دين الله .
عندما كان يسارع احدهم الى المعركة، يقال له : بأن هذه الحرب خاسرة لا تربح منها شيئا، فيقول: انني لم اخرج للربح انما خرجت للجنة، لم اخرج للنصر وانما خرجت للجنة، النصر بيد الله ينصر من يشاء، اما انا فخرجت للجنة، لماذا؟ لأن الاسلام اعزهم، وتجسدت هذه المعاني في نفوسهم .
وهكذا تمضي الامثلة تلو الامثلة، رجالا ونساء صغارا وكبارا، مضحين من اجل دينهم، فمنهم من اوذي وعذب، ومنهم من سحب في الرمضاء، ومنهم من قتل، ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) .
لم يكن همهم غانية، ولا امراة حسناء، ولا منصب، ولا وجاهة، ولا مكانة، ولا مال، ولا رياش، ولا لباس، ولا مسكن، ولا متجر، ولا مغنم، ولا شيء من حطام هذه الدنيا، وانما كان همهم الله ورسوله، ان يرضى الله عنهم هو غايتهم ومبتغاهم، ولذلك عزوا وجاهدوا في الله حق جهاده، كما امرهم الله تبارك وتعالى ( وجاهوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس )، سماكم المسلمين، كلمة ( المسلمين ) ليست بهينة، سماكم المسلمين لتناموا؟! لتقيموا على شهواتكم؟! لتنغمسوا في اهوائكم؟! لتركنوا الى الدنيا؟! لتضعوا اوزاركم وتلقوا احمالكم في ضعف ومذلة؟!
لا ، سماكم المسلمين لتجاهدوا في الله حق جهاده، ذابين عن حياض الاسلام، حتى لا يُثلم في الاسلام ثُلمة، ولا يشوه له كرامة، ولا يخدش له عرض، ولا ينتهك له حرمة، هكذا ربى الاسلام اتباعة، وتسابقوا من اجل ذلك، تسابقوا من اجل الدفاع عن هذا الدين، واحبوا قرآنهم، واحبوا رسولهم صلى الله عليه وسلم حبا جما، وتفانوا في خدمته ، كانوا اذا حضروا في مجلسه صلى الله عليه وسلم كأن على رؤوسهم الطير، لا ينطق منهم احد اجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما درس أعداء الإسلام هذا السر، وهذا العزة وهذه القوة الكامنة في المسلمين الذين يقدمون ولا يحجمون، والذي يهجمون و لا يرجعون، والذين ينتصرون ولا ينهزمون ، والذين يعتزون بعزة الله رأوا بأن الأمر جدّ خطير، ولا بد أن تحاك المؤامرات، وتحاك الدسائس، وأن تعبث الأيدي الخفية، وأن يأتي طغام الناس لكي يلوثوا هذه العقيدة الشريفة، ويُحرِّفوا هذا القرآن المجيد، ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أن يظهر الله دينه، ويعلي كلمته .
ولكن ضياع الإسلام بضياع المسلمين، فلما لم يستطيعوا أن يحرفوا تعاليمه، وأن يدنسوا شرائعه، وأن يشوهوا منهجه، حاولوا أن يضعضعوا كيان المسلمين، أن يضربوهم في القلب ، وأن يضيّعوا كيانهم، وأن يهدّوا قواهم بما أحدثوه في واقع الأمة الإسلامية، فأغرقوا شبابها وأفرادها في طغيان الشهوات، وفي الموبقات والأهواء وفي الخمور والمسكرات ، والفواحش والمحرمات، كل ذلك من أجل أن ينشأ جيل هش، جيل ضعيف لا يحمل عزة الإسلام، ولا يتمنى الجهاد في سبيل الله، ولا يحلم بالشهادة في الدفاع عن دين الله، وإنما همه كأس وغانية، وراحة ونوم، وكسل وخمول ودعة.